خبير إيراني لـ«جسور بوست»: مظاهرات الحجاب تفاقمت بسبب الأوضاع الاقتصادية (1-2)
خبير إيراني لـ«جسور بوست»: مظاهرات الحجاب تفاقمت بسبب الأوضاع الاقتصادية (1-2)
مثل كرة الثلج تدحرجت شرارة الغضب لتضرم نيران الاحتجاجات في عموم الدولة الإيرانية، على وقع مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني بعد توقيفها من قبل شرطة الأخلاق جراء مخالفة قانون الزي الموحد.
ومنذ 16 سبتمبر الماضي، اندلعت مظاهرات طلابية في العاصمة الإيرانية طهران وعدد من المدن، أدت إلى مقتل وإصابة العشرات واعتقال المئات، فيما أعلنت السلطات عن مقتل وإصابة عدد من رجال الأمن.
ومهسا أميني، فتاة كردية تبلغ من العمر 22 عاما، ولدت في مدينة سقز (شمال غربي إيران)، أوقفتها الشرطة وهي رفقة أخيها، بدعوى عدم التزامها بقواعد الزي المفروضة على النساء.
وبموجب قوانين الحجاب الإلزامية النافذة في إيران، تجبر النساء والفتيات على إخفاء شعورهن خلف غطاء الرأس، ولشرطة الأخلاق سلطة الرقابة على النساء في الشوارع والأماكن العامة.
وتشكلت شرطة الأخلاق الإيرانية عام 1979 كقوة شبه عسكرية من المتطوعين، وتم دمجها في الحرس الثوري عام 1981، وتنتشر قواتها في مختلف الجامعات الإيرانية لمراقبة ملابس وسلوك النساء.
ولا تزال المظاهرات الإيرانية تحظى باهتمام دولي واسع، إذ تلقى ردودا أممية ودولية واسعة، للتنديد بانتهاكات الشرطة الإيرانية، كما فرضت بعض الدول الأجنبية عقوبات جديدة على طهران.
"جسور بوست" حاورت الأكاديمي والكاتب الإيراني البارز عماد آبشناس، الخبير في الشؤون الدولية، والمقيم في العاصمة الإيرانية طهران، للتعرف أكثر على تفاصيل حالة الغليان التي تسري في البلاد منذ نحو شهر.
برأيك.. ما السبب الرئيسي في اندلاع التظاهرات التي تجاوزت 3 أسابيع في إيران.. وهل لها أبعاد أخرى بخلاف وفاة مهسا أميني؟
بالنسبه للشرارة الأولى لاندلاع هذه الاحتجاجات الشعبية عمليا هو موضوع الحجاب، وهي قضية خلافية كبرى في إيران قبل وبعد الثورة الإسلامية في عام 1979، ففي فترة حكم الشاه محمد رضا بهلوي (1925-1941) أجبرت النساء على خلع الحجاب، لكن واجه قراره مقاومة شرسة من النساء آنذاك، في المقابل حدث العكس بعد “الثورة الإسلامية”، إذ تم إقرار قانون بفرض الحجاب إجباريا على النساء خلال العقود الماضية.
ووصلت الحكومة الإيرانية إلى صيغة تفاهم غير مكتوبة مع النساء في إيران، حتى يحترمن هذا القانون مقابل عدم فرضه إجباريا بما هو منصوص عليه، ولكن خلال العامين الماضيين بدأت نساء في خلع الحجاب والدخول في صدامات مباشرة مع الحكومة، وبلغ الأمر ذروته بقوة في حادث وفاة الفتاة العشرينية مهسا أميني.
ما دلالات سرعة انتشار احتجاجات غير مسبوقة في مختلف أنحاء إيران من وجهة نظرك؟
هذا الانتشار الواسع للمظاهرات في مختلف أنحاء إيران جاء بسبب أن القضية محور الأزمة عليها خلافات كبيرة بين فئات الشعب طوال العقود الماضية، وبالتالي فإن الموضوع يقع في صلب اهتمامات جميع الإيرانيين وليس النساء فحسب، وهناك فريقان أحدهما يتمسك بقوة بفرض الحجاب بصورة إجبارية على المرأة والآخر يتمسك بمبدأ الحرية في ارتداء الحجاب، وعلى هذا الأساس صارت المظاهرات الاحتجاجية تنتشر وتتضخم لأنها ليست قضية يوم واحد بل عقود طويلة.
الأمر الآخر الذي ساهم في تفاقم الأوضاع في إيران هو وجود احتجاجات اقتصادية سابقة على قضية وفاة مهسا أميني، وهذه المظاهرات التي خرجت بسبب تردي الأوضاع المعيشية انضمت إلى نظيرتها المناهضة لفرض الحجاب، ما أدى إلى توسع الأمر.
البعض يصف موجة المعارضة الواسعة في إيران بـ"الربيع الفارسي" على غرار الربيع العربي.. هل ترى وجها للتشابه بين الاثنين؟
لا أوافق على هذه العبارة، فلا يمكن تشبيه ما يحدث في إيران حاليا، بما حدث في الدول العربية قبل نحو 10 سنوات أو ما سمي بـ"الربيع العربي" وقتها.
ما يحدث من احتجاجات داخل إيران حاليا شيء آخر يختلف تماما عمّا سمي “الربيع العربي”، ولا يمكن مقارنتهما من حيث الوضع الموجود، لأن -عمليا- الربيع العربي انتشر في العديد من الدول بالمنطقة العربية، لكن الاحتجاجات والمظاهرات الحالية قاصرة على الداخل الإيراني فحسب ولا تمتد إلى دول أخرى، فضلا عن أن الأمر لا يرتبط بالقومية الفارسية، خاصة أن إيران لديها 15 قومية أساسية تشكل الشعب الإيراني.
ما أريد أن أؤكده أن المظاهرات والاحتجاجات التي تشهدها إيران حاليا ليست لها علاقة بالقومية الفارسية، وإنما هي احتجاجات اجتماعية واقتصادية.
هل الظرف العالمي الحالي يسمح للنظام الإيراني باستمرار الاعتماد على رهان استخدام القوة ضد المتظاهرين؟
السلطات الإيرانية لا يعنيها ردود الفعل لدى سائر دول العالم، الأولوية لديها الآن هو تحقيق الأمن والاستقرار في الداخل الإيراني بعد موجة الاحتجاجات والمظاهرات الأخيرة، والأحداث الحالية أثبتت أن هناك تدخلات أجنبية عديدة، وكان هناك أعداء ينتظرون فرصة لكي يستغلوها لإثاره الشارع الإيراني.
أزمة الاحتجاجات الشعبية الأخيرة تفجرت بالأٍساس بسبب المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها البلاد، لكنها تم استغلالها لإسقاط النظام أو القيام بأعمال عنف وتخريب داخل إيران، ورغم انتشار موجة الغضب الواسعة من خلال المظاهرات ورفع الشعارات الاحتجاجية فإن السلطات الإيرانية ممثلة في قوات الأمن لم تقمعها أو تجهضها بعكس ما يثار في الإعلام الغربي، لكنها تمنع المحتجين من القيام بأعمال تخريبية أو مهاجمة الممتلكات العامة والخاصة أو الاستيلاء على المحال التجارية أو إضرام النيران في السيارات وغيرها.. وعادة لا تلجأ الشرطة الإيرانية إلى الاصطدام مع المحتجين السلميين في الشوارع.